بقلم ابيل_كبيدوم
25 أبريل، 2023
في الآونة الأخيرة، شهدنا جميعا العديد من الشخصيات “العامة” تحاول استحضار أحمد جلبي في القفز على عربة الهلاك التي تستغلها المجموعات المتطرفة من انهزامي التغراي. وكان احد هؤلاء الدكتور اسفاو تخستى، الذي دعا إلى استخدام الحجارة والأدوات الحادة والعصي لمهاجمة رواد المهرجانات الإرترية المسالمين، وأعلن أن ذلك قانوني مبرر. وذلك خلافا لمهنته التي يتضمن احد معاييرها الأخلاقية، تعهد الطبيب بتجنب إيذاء الآخرين وإنقاذ حياة الإنسان تحت أي ظرف من الظروف. ومع ذلك، بدلا من إنقاذ حياة الإنسان وتجنب الأذى، دعا الدكتور أسفاو الى زيادة عدد اء والأطفال وكبار السن الإرتريين الذين يتعرضون للأذى، وساهم في زيادة عدد اللاجئين من الشباب الإرتري، الذين فقدوا أعينهم، وتهشمت أجسادهم، وأصيبوا برصاص الشرطة، وفقدوا سبل عيشهم. ولهذا يستحق الدكتور أسفاو وأمثاله أن يطلق عليهم اسم أحمد جلبي الإرتري.
ولمن لا يعرف الجلبي، فقد كان سياسيا عراقيا منفيا. أعماه طموحه المتحمس لأن يصبح رئيسا للعراق، ليزود وكالة الاستخبارات الأمريكية بمعلومات كاذبة وملفقة، حول أسلحة الدمار الشامل العراقية وعمل بجد من أجل غزو الغرب راق. بعد غزو العراق، في البداية تم نقل الجلبي من المملكة المتحدة إلى العراق بقوة قوامها 700 من الميليشيات ي دربتها الولايات المتحدة. وبعد أن تولى منصب وزير النفط، طُرد من السلطة وتوفي في العراق. طموحه الجامح للسلطة وكراهيته الشديدة للرئيس العراقي لم تسمح له برؤية عواقب أفعاله على الشعب العراقي. ولم يكن لديه الوقت لتحليل السيناريوهات المحتملة التي قد تظهر بعد سقوط صدام حسين. وباعتباره عراقيا، كان عليه أن يحلل خطوط الصدع في المجتمع العراقي وطموح جيرانه. وفي هذا الصدد، فإن أي مواطن عاقل كان سيدرك مخاطر مظالم الشيعة على السنة، ومظالم الأكراد على السنة، والطموحات السياسية والإقليمية للدول المجاورة، والتنافس بين السنة والشيعة في المنطقة الأوسع. لكن أحمد الجلبي، الذي أعماه الطموح الشخصي والكراهية الشديدة، لم يكن لديه الوقت للتفكير في تلك القضايا المهمة.
الجزء المحزن من القصة هو أن هذه القضايا في الوقت الحالي ليست سيناريوهات، بل هي واقع ثابت للشعب لعراقي. ونتيجة للتصرفات غير المسؤولة لأحمد عبد الهادي جلبي وحزب المؤتمر الوطني العراقي الذي كان يتزعمه، فإن أي مواطن عراقي سيقول لك إنه يفضل حكم صدام في كثير من الأوجه. إن المذبحة التي تعرض لها المدنيون في شوارع العراق، والإساءة إلى المدنيين الأبرياء، والاغتصاب، والمعاملة اللا إنسانية للنساء العراقيات على أيدي متعصبين دينيين، جعلت من العراق جحيما على الأرض. ونتيجة لتصرفات أحمد عبد الهادي جلبي وحزبه المؤتمر الوطني العراقي، وبعد مرور 22 عاما، فإن العراق لم يخرج بعد من أزماته التي لصبح بعضها مستعصيا.
كان من الممكن أن تشكل الحالة العراقية فرصة تعليمية نموذجية لآل الجلابيين في إرتريا. ومع ذلك، فإن جلابة إرتريا لا يختلفون عن الجلبي العراقي. لقد أعمتهم الرغبة القوية في السلطة والكراهية الشديدة تجاه الحكومة الإرترية. مثل الجلبي العراقي، توسل الجلبيون الإرتريون إلى جبهة تحرير تيغراي، التي غزت إرتريا اثناء حكمها لاثيوبيا. وبعد الإطاحة بجبهة تحرير تيغراي من السلطة وبدء حرب التمرد 2018-2020، لم يضع “جلبيو” ارتريا الوقت، بل انضموا الى معسكر “تيغراي تفوز- تغراي تعوت”. وقدموا للعدو معلومات استخباراتية تضر بالأمن القومي الإرتري. لقد اعتبروا انتصار الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هو أملهم الوحيد لتولي السلطة في أسمرا، وفعلوا كل شيء، دون تحفظ، لتحقيق ذلك. عندما تعرضت جبهة تحرير شعب تيغراي للضرب المبرح والهزيمة، ذهبوا إلى بريتوريا للمطالبة بإدراج إرتريا كدولة غازية في اتفاقية استسلام الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الموقعة في بريتوريا، جنوب أفريقيا.
ولأن الرغبة القوية في السلطة والكراهية الشديدة للحكومة الإرترية أعمت أبصارهم، فإنهم لم يروا مخاطر أفعالهم على إرتريا وقوات دفاعها الشجاعة. ولم يروا أن إرتريا دولة متعددة الأعراق تقع في منطقة حساسة للغاية ومتقلبة محاطة بجيران لديهم مصالح متنافسة. ولم يروا عواقب أفعالهم على الحدود الفعلية والتي لم يتم ترسيمها بعد عمليا بين إثيوبيا وإرتريا. ولم يروا طموح الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في إقامة دولة “تيغراي الكبرى”، التي تتمتع بمنفذ خاص بها على البحر كحافز لإعلان دولة جديدة في القرن الأفريقي تسمى جمهورية تيغراي. وبدون قيادة قوية، لم يتوقعوا الخطر الذي يمكن أن يشكله المتعصبون الدينيون الإسلاميون والمسيحيون على انسجام ووحدة المجتمع الإرتري. ولولا قوة الحكومة والشعب مع كل العقوبات المفروضة على إرتريا، لم يروا أنها كان من الممكن أن تنهار وينتهي بها الأمر إلى دولة فاشلة.
وعلى غرار الجلبي في العراق، فإن الجلبيين الإرتريين، اصيبوا بالعمى ولم يتمكنوا من رؤية صعودهم إلى سدة السلطة إلا بعد سقوط حزب الجبهة الشعبية من أجل الديمقراطية والعدالة الذي يحكم إرتريا حالياً.
ويرون أن الغزو الأجنبي لإرتريا هو ورقتهم الوحيدة لتولي السلطة في أسمرا. بعد الإطاحة بحكومة معمر القذافي عبر العنف الذي قاده الغرب، هل تولى الليبيون السلطة في بلادهم؟ هل يتمتعون بالسلام والحرية في بلادهم؟ هل لليبيين كلمة في إدارة بلادهم؟ إذن، ما هو الدليل الذي يمتلكه الجلبيون الإرتريون، بادعائهم بأن التدخل الأجنبي أو تغيير النظام كان العلاج الوحيد المؤكد للمشاكل الحالية في إرتريا؟ ألا يعلمون أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كانت المصدر والسبب الرئيسي للمشاكل الحالية في إرتريا؟ هل يعتقدون أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي احتلت الأراضي الإرترية ذات السيادة لمدة عشرين عاما وأعلنت سياسة لا حرب ولا سلام، كان احتراما لإرتريا ومواطنيها؟ والحقيقة هي أن أي حزب أو جماعة تدعمها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وتسيطر على السلطة في إرتريا لا يمكن أن تكون حلا للمشاكل الإرترية. بل إنه يشكل تهديدا لوجود الإرتريين بشكل عام كشعب، وإرتريا كدولة مستقلة. يعلم كل إرتري أن إرتريا تحت حكم الجلبي لن يكون الوضع أفضل، بالنظر لما عانته منظمة ANDEM ومنظمة OPDO في إثيوبيا خلال حكم جبهة تحرير شعب تيغراي. وعلى هذا فإن الجلبيين في إرتريا لا يمكن أن يشكلوا قوة بديلة لحكم إرتريا ذات السيادة والمستقلة، وينبغي رفضهم تلقائيا.
صحيح أننا نحن الإرتريين نحتاج إلى الإصلاح عندما تسمح الظروف بذلك. ونعلم أيضا أنه لتحقيق التغيير، لا نحتاج إلى تدمير ما لدينا، بل إلى إصلاحه ومواصلة البناء عليه. عندما تسمح الظروف بذلك، نحتاج إلى أن يكون لدى إرتريا دستور ومزيد من الحرية لمواطنيها. نحن بحاجة إلى أن تكون الحكومة الحالية في إرتريا شفافة وخاضعة للمساءلة م شعبها. وفي المقابل، نحن، جميع الإرتريين، بحاجة إلى فهم مشاكل الأمن القومي التي لم يتم حلها والتي تواجهها الحكومة الحالية وتقديم الدعم غير المشروط لجهودها للدفاع عن سيادة البلاد وسلامة أراضيها. لا يزال جزء كبير من الشباب الإرتري في الخنادق، والدعم الثابت من المغتربين لقواتنا الدفاعية الباسلة أمر بالغ الأهمية. ينبغي النظر إلى مستقبل إرتريا. إن إحداث التغيير لا يكون من خلال تدمير ما بنيناه على مدار الخمسين عاما الماضية، ولكن من خلال البناء على ما لدينا ومواصلة العمل على تحسينه. إن الحب المتفاني للوطن، والقدرة الدفاعية القوية، والثقافة الإرترية الفريدة المكتسبة من النضال من أجل التحرير ليست عبئا ولكنها أصول ثمينة للغاية يجب الحفاظ عليها بأي ثمن. ولو فعل العراقيون والليبيون ذلك، لما وصلوا إلى الوضع اليائس الحالي الذي هم عليه الآن. العامل الوحيد الذي يجعل إرتريا مختلفة عن العراق أو ليبيا هو ببساطة أن إرتريا أكثر فقرا. بالنسبة للبقية، الأساسيات هي نفسها. ومن ثم فقد حان الوقت لجلبي إرتريا أن يتعلموا من الجلبي العراقي.
خاتمة
إن الهجوم الحالي المستمر على المغتربين الإرتريين في الشتات من قبل المنتقمين التيجراي والجلابيين الإرتريين لا ييستهدف الحكومة الإرترية، لأن الأمر يستهدف إرتريا وشعبها. فأعداؤنا يستهدفون قيمنا ووحدتنا العزيزة، لأنهم يعلمون أنهم إذا قاموا باستقطاب المجتمع الإرتري عموديا على أساس العرق والدين، فإنهم يزيدون من احتمالية تحقيق أهدافهم. ولهذا السبب فإنهم مستمرون في تقويض كل ما هو إرتري: شهدائنا، وعلمنا الوطني، وأعيادنا الوطنية، وأغانينا الوطنية، وما إلى ذلك. وكان جلبيو ارتريا يختبئون تحت عباءة ” المطالبين بالعدالة” ويقدمون أنفسهم على أنهم مجموعات مهتمة بأمر إرتريا. والآن بعد أن انضموا إلى مجموعة منتقمي تيغراي وشجعوا على استخدام القوة ضد النساء والأطفال وكبار السن الأبرياء في إرتريا، فإنهم في عربة الموت ولن يتمكنوا من النجاة من ذلك بأي حال من الأحوال. يخبرنا التاريخ أن كل من وقف ضد إرتريا ذهب تمت هزيمته واحدا تلو الآخر. وبناءا على ذلك، لن يمر وقت طويل قبل أن تنزل عربة الموت “لواء منتقمي تيغراي” إلى أسفل التل. وعندما يحدث ذلك، فإن جلبيي إرتريا سوف يتقبلون الأمر أيضا.
النصر للجماهير.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
ترجمه يوسف بولسي