الإثنين, أكتوبر 6, 2025

القرن الأفريقي: الأمن الإقليمي والديناميكيات الجيوسياسية – الجزء الثاني

في البدء لم أكن أنوي كتابة تكملة لمقالي السابق. إلا أن الخطاب التحريضي المتداول في وسائل الإعلام الإثيوبية، خاصةً تلك التابعة للحكومة المركزية ، دفعني للتحدث علنًا. فعندما يقرع كبار المسؤولين طبول الحرب كعادة يومية، لا يمكن تجاهل الآثار الخطيرة لتصريحاتهم. ففي منطقة تعاني أصلًا من آثار الصراع، فمن الضروري إعطاء الأولوية للسلام على مزيد من الفتنة.

سياسة التشكيك:-
شاهدتُ مؤخرًا مقطع فيديو يُعلن فيه رئيس الأركان الإثيوبي بجرأة أن إثيوبيا ستصبح، عاجلًا أم آجلًا، دولةً مطلة على البحر الأحمر. وفي خطابه، قدّم عدة إدعاءات لا أساس لها من الصحة، تتناقض مع الحقائق الجغرافية والقانونية الأساسية. وبالمثل أفادت التقارير أن وزير الزراعة أكد أن عصب كانت دائمًا جزءًا من إثيوبيا ولم تكن يومًا جزءًا من إريتريا.
تثير هذه التصريحات سؤالًا جوهريًا ؟ هل يُصدّق هؤلاء المسؤولون أقوالهم حقًا! أم أنه مجرد ترديد لخطابات تفتقر إلى فهم سليم للتاريخ والقانون الدولي؟
لماذا يُصرّ رئيس الوزراء على هذه الحجج الواهية – مستشهدًا بعدد سكان إثيوبيا البالغ 120 مليون نسمة أو بما يُسمى الحق التاريخي في ممر بحري – كمبرر لمطالبات لا أساس قانوني لها؟ يُقرّ القانون الدولي بأن إثيوبيا دولة غير ساحلية، مما يجعل خيارها الوحيد المُجدي هو تأمين خدمات الموانئ البحرية من خلال اتفاقيات تجارية. في الواقع، تستفيد إثيوبيا بالفعل من مثل هذه الإتفاقيات مع دول مجاورة مثل جيبوتي، ولم تحرمها إريتريا قط من الوصول إلى التجارة البحرية.

حُدِّدت حدود إثيوبيا الحديثة إلى حد كبير في أواخر القرن التاسع عشر. وكان للتوسع الإقليمي للإمبراطور منليك الثاني، عقب مؤتمر برلين عامي 1884 و1885، دورٌ محوري في رسم حدود البلاد الحالية. وفي الوقت نفسه، رُسِّمت حدود إريتريا عند تأسيسها كمستعمرة إيطالية عام 1890م. وقد رسَّخت هذه الأحداث التاريخية مكانة إثيوبيا الراسخة كدولة غير ساحلية، وهي حقيقةٌ أكدتها الزيارة العملية لرئيس الوزراء آبي أحمد إلى إريتريا. وتُوِّجت رحلته باتفاقية سلام وقبول غير مشروط لحكم محكمة الحدود الإثيوبية لعام 2002، مما يؤكد أنه على الرغم من الدعوات الحالية لإنشاء ميناء بحري أو حق تاريخي في ممر على البحر الأحمر، فإن إثيوبيا ظلت دائمًا دولة غير ساحلية.

الآثار المحلية:
تواجه إثيوبيا تحديات داخلية جسيمة. فالبلاد تعاني من صراعات عرقية متجذرة، وأزمات سياسية واقتصادية حادة، ووضع أمني تكافح فيه الحكومة المركزية لبسط سيطرتها على ما يتجاوز العاصمة وبعض المدن الكبرى. يتساءل كثير من الإثيوبيين – حتى من قد يطمحون إلى امتلاك ميناء بحري – عن جدوى شن حرب على جارهم في ظل بقاء هذه القضايا الداخلية الملحة دون حل. فهل هذا مجرد تكتيك بالٍ – ووسيلة لتصنيع عدو خارجي لصرف الإنتباه عن الإخفاقات الداخلية؟ وحده الزمن كفيل بكشف العواقب، مع أن الكثيرين يخشون أن يُعجّل هذا النهج بإنهيار الدولة الإثيوبية – أو ما تبقى منها.

في الختام إن الخطاب التحريضي والطموحات التوسعية لا تقوّض آفاق السلام الإقليمي الدائم فحسب، بل تُحوّل أيضًا الموارد الحيوية بعيدًا عن معالجة التحديات الداخلية التي تواجهها إثيوبيا. ولطالما كان القرن الأفريقي ضحيةً للتدخل الأجنبي والأجندات التوسعية المحلية، بدلا عن التنمية والإستقرار والسلام.
وما لم يتحرر قادة المنطقة من هذه التأثيرات الهدامة ويلتزموا بإطار عمل تعاوني حقيقي، فإن دوامة الصراع وعدم الإستقرار ستستمر على حساب جميع دول المنطقة والإقليم.

سليمان أ. حسين
سليمان أ. حسين
سليمان أ. حسين هو سياسي ومحلل إريتري بارز يقيم في لندن، المملكة المتحدة. متخصص في شؤون منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط، ويقدم تحليلات معمقة حول الديناميكيات الإقليمية والتطورات السياسية والرؤى الاستراتيجية. بصفته مساهمًا منتظمًا في **ستيت ميديا**، يشارك سليمان رؤاه وخبراته كل يوم أربعاء، مقدماً تعليقات قيّمة حول القضايا التي تؤثر على المنطقة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

ابق على اتصال

11,907المشجعينمثل
1,034أتباعتابع
27,700المشتركينالاشتراك

أحدث المقالات