نشر السيد مولاتو تيشومي، الرئيس الإثيوبي السابق والمساعد المقرب لرئيس الوزراء الدكتور أبي أحمد، مقالاً في قناة الجزيرة يتهم فيه إريتريا بزعزعة استقرار إثيوبيا والمنطقة،
هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة فحسب، بل إنها تعمل أيضًا على تحويل الإنتباه عن تصرفات إثيوبيا نفسها، والتي تشكل تهديدًا أكبر للسلام والإستقرار الإقليميين
مع أن إثيوبيا لا تزال غارقة في الصراع العرقي والقمع السياسي والإضطرابات الداخلية، ومع ذلك فهي تحاول تحويل اللوم على دولة إريتريا ،
وأن هذا التكتيك التضليلى يهدف إلى إخفاء الأزمة السياسية والإقتصادية المتفاقمة التي تعيشها إثيوبيا وأن الواقع بالداخل يروي قصة مختلفة.
وما يجعل اتهامات إثيوبيا أكثر إرباكا هو أن البلدين وقعا اتفاقية سلام وتعاون. والأمر الأكثر خطورة هو أن إثيوبيا ــ أو على الأقل حكومتها الحالية ــ ربما لم تكن لتنجو من الحرب الأهلية الأخيرة في تيغراي لولا الدور الحاسم الذي لعبته إريتريا في تحييد جبهة تحرير تيغراي وبدلاً من الإعتراف بهذا وحفظ الجميل للدولة الإرترية عملت إثيوبيا على تصعيد التوترات مع إريتريا، الأمر الذي أدى إلى تقويض الإستقرار الإقليمي حيث أن النظام الإثيوبي يقوم بالتالى.
أولاً، تروج وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة في إثيوبيا بشكل منهجي بنشرها لروايات تهدف إلى زعزعة استقرار إريتريا. وعلاوة على ذلك، فهي تؤوي علناً جماعات معارضة إريترية مسلحة وغير مسلحة في انتهاك صارخ لإتفاقية السلام لعام 2018 الموقعة في أسمرة وجدة. كما تشير تصرفات إثيوبيا إلى محاولة صريحة لتغيير النظام في إريتريا – وهو عمل استفزازي يهدد سيادة إريتريا ويتعارض مع تطلعات شعبه الذى يرفض مبدأ التدخل فى شؤونه الداخلية. وعلى الرغم من وجود كل المبررات للرد من قبل الدولة الإرترية، فقد مارست إريتريا ضبط النفس وعدم الإنجرار حفاظا للسلم فى المنطقة.
ثانياً، تثير تأكيدات إثيوبيا المستمرة على ما يسمى “الحق التاريخي” في البحر الأحمر مخاوف مثيرة للقلق. فقد أعلن رئيس الوزراء أبي أحمد أن حاجة إثيوبيا إلى ميناء بحري ” غاية وجودية”، ملمحا إلى أن العمل العسكري لا يزال خيارا مطروحا. ويتجاهل هذا الخطاب المعاهدات الإستعمارية ويتجاهل أيضا المعاهدات الدولية ومبدأ إحترام سيادة الدولة.
إن إثيوبيا لم تعد دولة تحترم سيادة القانون
والمعاهدات الدولية، وهذا يشكل تهديداً مباشراً ليس فقط لإريتريا بل وللمنطقة بأسرها. لقد فقدت إثيوبيا القدرة على الوصول إلى البحر الأحمر في عام 1993 عندما حصلت إريتريا على استقلالها من خلال استفتاء أشرفت عليه الأمم المتحدة، حيث صوت 99.8% من الإريتريين لصالحه.
وإن المعاهدات الإستعمارية التي وقعتها إثيوبيا مع القوى الأوروبية في أعوام 1900 و1902 و1908 ـ بما في ذلك إيطاليا وبريطانيا ـ تحدد بوضوح حدود إريتريا، الأمر الذي يجعل مطالبات إثيوبيا غير قابلة للدفاع عنها قانوناً وبالتالى تعتبر هكذا مطالبات مجرد قرصنة مخالفة للأعراف والقوانين .
ومن الأمثلة الصارخة على طموحات إثيوبيا التوسعية مذكرة التفاهم التي أبرمتها مع أرض الصومال، وهي الخطوة التي أدانها كثيرون بإعتبارها انتهاكا لسيادة الصومال وسلامة أراضيه. وبالإضافة إلى ذلك، اتُهمت إثيوبيا بالتدخل في الحرب الأهلية في السودان، ودعم قوات الدعم السريع وتفاقم حالة عدم الإستقرار بسبب هذا التدخل
. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن إثيوبيا قدمت الدعم اللوجستي والعسكري للفصائل المنخرطة في الصراع السوداني، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المروعة بالفعل.
وعلى النقيض التام من المناورات الإثيوبية المزعزعة للإستقرار، لعبت إريتريا دوراً بناءا في تعزيز الإستقرار الإقليمي. ففي الصومال، ساهمت إريتريا بنشاط في إعادة بناء قوات الأمن في البلاد من خلال تدريب الآلاف من القوات الصومالية ـ وهي الجهود التي رحبت بها الحكومة الفيدرالية الصومالية. وهذا يتعارض بشكل مباشر مع تورط إثيوبيا المثير للجدال فى الصومال ، والذي يُنظَر إليه غالباً باعتباره يخدم مصالحها الذاتية ولا يحترم سيادة الصومال . وعلى نحو مماثل
لقد التزمت إريتريا بموقف محايد في السودان، حيث دعت إلى إجراء مفاوضات للسلام بين الأطراف بدلاً من تأجيج الصراع. وعلى النقيض من إثيوبيا، التي تورطت في تسليح الفصائل، عملت إريتريا على تيسير الحوار بين الأطراف المتحاربة في السودان.
وعلاوة على ذلك، تؤكد الأزمات الداخلية في إثيوبيا، وخاصة في منطقتي أمهرا وأوروميا، على هشاشة،الأوضاع الأمنية وإتساع دائرة الإنتهاكات لحقوق الإنسان. هذا وقد وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي والنزوح القسري وإنقطاع الإنترنت ــ وهي أعراض تشير إلى تفاقم الأزمة داخل إثيوبيا نفسها.
ونظراً لهذه الحقائق، فمن الواضح أن إثيوبيا، وليس إريتريا، هي القوة الأساسية التي تهدد السلام في منطقة القرن الأفريقي. ويتعين على المجتمع الدولي أن يعترف بهذه الحقيقة وأن يطبق الضغوط الدبلوماسية حيثما كانت هناك حاجة حقيقية إليها. ذلك أن انتهاكات إثيوبيا المتكررة للإتفاقيات الدولية، وطموحاتها التوسعية، وتدخلها في شؤون الدول المجاورة تجعل منها قوة فاعلة مزعزعة للاستقرار في المنطقة. وإذا تركت دون رادع، فإن سياساتها المتهورة قد تدفع المنطقة إلى صراع أعمق.