لا تزال إرتريا، الدولة التي نالت استقلالها من خلال الصمود المطلق، هدفا لحملة تضليل منسقة تهدف إلى تقويض سيادتها. وكان آخر المجرمين الآثمين، هو الرئيس الإثيوبي الأسبق مولاتو تيشومي ويرتو، الذي دعا في عرض وقح للنفاق إلى فرض عقوبات دولية على إرتريا – متجاهلا بشكل ملائم تاريخ إثيوبيا من العدوان وعدم الاستقرار.
إن جرأة تيشومي مذهلة. فإن مطالبته باتخاذ إجراءات عقابية ضد إرتريا، ليست سخيفة فحسب، بل ومضحكة أيضا، خاصة عندما نعلم أنه ينتمي إلى دولة انتهكت القانون الدولي مرارا وتكرارا، وخاضت حروبا للتوسع، وسعت إلى إعادة رسم الحدود الإقليمية. ولكن بدلا من معالجة الأزمات الداخلية في إثيوبيا ــ الصراعات العرقية، والتمردات، وعدم الاستقرار المزمن ــ لجأ إلى الرواية المتعبة التي لا أساس لها من الصحة والتي تزعم أن إرتريا مسؤولة عن الفوضى التي فرضتها إثيوبيا على نفسها.
نضال إرتريا من أجل الحفاظ على السيادة: وتاريخ من العداء الإثيوبي!
لقد ترسخ استقلال إرتريا، الذي تحقق بعد حرب شاقة استمرت 30 عاما، في عام 1993 من خلال استفتاء شبه إجماعي. ومع ذلك، لم تقبل النخب الحاكمة في إثيوبيا إرتريا المستقلة بالكامل مطلقا. ولم تكن حرب 1998 – 2000 مجرد مناوشة حدودية، بل كانت محاولة إثيوبية محسوبة للاستيلاء على الأراضي الإرترية، وخاصة ميناء عصب الحيوي.
حتى بعد أن حكمت لجنة الحدود الإرترية الإثيوبية لصالح إرتريا في عام 2002، رفضت إثيوبيا ــ بدعم من حلفائها الغربيين ــ بوقاحة الانسحاب من الأراضي الإرترية، منتهكة بذلك القانون الدولي مع الإفلات من العقاب. ولكن بدلاً من ذلك، ضاعفت إثيوبيا من استراتيجيتها للتخريب الدبلوماسي، فنظمت عقوبات الأمم المتحدة في عام 2009 على أساس اتهامات ملفقة بأن إرتريا تدعم المتطرفين الصوماليين (الشباب) – وهي ادعاءات تم التشكيك فيها لاحقا والغت بموجبها العقوبات في عام 2018.
أين كان الغضب الأخلاقي لمولاتو تيشومي عندما احتلت إثيوبيا بشكل غير قانوني أرضا إرترية ذات سيادة لأكثر من عقد من الزمان؟ أين كانت دعوته لفرض عقوبات عندما تحدت إثيوبيا الأحكام الدولية؟
يكشف فقدان الذاكرة الانتقائي عن حجته على حقيقتها: هجوم يائس بدوافع سياسية مصمم لتبرير طموحات إثيوبيا التوسعية.
الحرب الأهلية الإثيوبية عام 2020: حق إرتريا في الدفاع عن نفسها
كما يعيد تيشومي نشر الادعاء الذي تم فضحه على نطاق واسع بأن إرتريا زعزعت استقرار إثيوبيا خلال الحرب الأهلية عام 2020. ما يتجاهله عمدا، هو أن الصراع كان بسبب الجبهة الشعب لتحرير تيغراي (TPLF)، التي شنت هجوما مفاجئا على القوات الفيدرالية الإثيوبية التي كانت متمركزة في شمال إثيوبيا، وعملت على تصعيدي متهور، بإطلاقها أكثر من اثني عشر صاروخا على المدن الإرترية، بما في ذلك أسمرا ومصوع، مما جر إرتريا إلى حرب لم تبدأها ابدا.
لم يكن رد إرتريا عملا عدوانيا، بل كان بمثابة خطوة ضرورية للدفاع عن النفس. فإن اي دولة، لا تقف مكتوفة الأيدي بينما تتعرض إلى ضربات صاروخية على مراكزها المدنية من جهة معادية. علاوة على ذلك، كان لدى إرتريا اتفاقية أمنية مشروعة موقعة مع إثيوبيا في أعقاب اتفاق السلام الذي أبرم عام 2018، والذي بموجبه طالبت إثيوبيا، بتطبيقه لدرء الاعتداءات المباشرة من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وهو ماوفعلته إرتريا تنفيذا لهذا الاتفاق، كما يفعل أي حليف مسؤول.
ومع ذلك، يجرؤ تيشومي على تصوير إرتريا على أنها الشريرة بينما يتجاهل العدوان الصارخ للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الذي بدأ الحرب. لو كان النفاق عملة، لكان الساسة الإثيوبيين، أمثال تشومى، مليارديرات.
هوس إثيوبيا المستمر بالأراضي الإرترية
إن هوس النخبة الإثيوبية بوصول إلى الأراضي السيادية في البحر الأحمر ليس سرا. ففي عام 2023، صرح رئيس الوزراء أبي أحمد علنا بأن إثيوبيا ستستعيد ذات يوم الموانئ الإرترية، حتى لو استغرق الأمر أجيالا. ولم يكن هذا زلة لسان ــ بل كان إعلانا محسوبا عن طموحات إثيوبيا الإقليمية القديمة.
لعقود من الزمان، نظر القادة الإثيوبيون إلى السيادة الإرترية باعتبارها مصدر إزعاج وليس حقيقة ثابتة. وتسعى أجندة تيغراي الكبرى، التي تتبناه سرا وعلنا، الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى ضم مناطق إرترية رئيسية، والآن تواصل إدارة أبي أحمد الخطاب القائل بأن استقلال إرتريا قابل للتفاوض. وتتناسب تصريحات تيشومي الأخيرة بشكل متوافق مع هذه الأجندة ــ شيطنة إرتريا لتبرير المطالبات الإقليمية المستقبلية.
قوة إرتريا: أمة تقف بمفردها وعلى نفسها
على الرغم من الضغوط الخارجية المتواصلة، ظلت إرتريا صامدة، رافضة أن تخضع لإملاءات القوى الأجنبية أو المتنمرين الإقليميين. وعلى النقيض من إثيوبيا، التي اعتمدت على مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية بينما كانت تؤجج الصراعات العرقية، سعت إرتريا إلى الاعتماد على الذات.
غالبا ما يشير المنتقدون إلى هيكل الحكم في إرتريا، لكنهم يفشلون في الاعتراف بأن البلاد كانت في حالة دفاع مستمرة ضد التهديدات الوجودية. إن الخدمة الوطنية، التي غالبا ما يتم تقديمها بشكل خاطئ، ضرورة نظرا لاعتداءات إثيوبيا المتكررة والتهديدات المستمرة. وإذا ما خففت إرتريا من حذرها، فلن تضيع شخصيات مثل تيشومي وأبي أحمد أي وقت، لتحقيق طموحاتها في البحر الأحمر.
المزعزع الحقيقي للاستقرار: الأزمات التي لا تنتهي في إثيوبيا
إن هجوم مولاتو تيشومي على إرتريا يخدم غرضا واضحا: صرف الانتباه والأنظار عن الفوضى الداخلية في إثيوبيا. فبينما يطالب بإجراءات عقابية ضد إرتريا، فإن إثيوبيا غارقة في اقتتال عنيف في جميع أنحاء اقليمي الأمهرا وأوروميا. إن ما يسمى “الحكومة الفيدرالية” تكافح للحفاظ على سيطرتها للأوضاع، كما لا تزال ندوب الصراع في تيغراي حية.
فبدلا من إلقاء اللوم على إرتريا، ينبغي على القادة الإثيوبيين، أن يركزوا على سد الثغرات في بيتهم الورقي. لم تخلق إرتريا الصراع العرقي في إثيوبيا. ولم تنظم إرتريا تمرد الأمهرا. ولم تستفز إرتريا جبهة تحرير شعب تيغراي لشن الحرب. إن أزمات إثيوبيا من صنعها، هم الاثيوبيون وحدهم، ومع ذلك فإن مسؤوليها يفضلون إلقاء اللوم على إرتريا بدلا من مواجهة إخفاقاتهم.
الخلاصة: سيادة إرتريا لا يمكن المساس بها
إن المحاولة الضعيفة التي قام بها مولاتو تيشومي لحشد الجهات الدولية ضد إرتريا ليست مجرد نفاق – بل إنها مضحكة. فكلماته لا تحمل أي وزن، لأنها قادمة من بلد له تاريخ طويل في تحدي القانون الدولي. لقد رأى العالم الميول العدوانية لإثيوبيا، ورفضها احترام الاتفاقيات السابقة، ورغبتها الشديدة في السيطرة على الأراضي الإرترية.
إن سيادة إرتريا غير قابلة للتفاوض. ولن تغير المناورات الدبلوماسية، أو الاتهامات الكاذبة، أو الدعوات إلى فرض العقوبات، أي شيء. إن أولئك الذين يواصلون دفع هذه الرواية المبتذلة المعادية لإرتريا، انما يؤخرون ببساطة، الإدراك الحتمي، بأن إرتريا هنا لتبقى قوية ومستقلة وغير مهزومة.
إذا كانت إثيوبيا تسعى حقا إلى السلام، فيجب عليها التخلي عن أحلامها التوسعية، واحترام المواثيق الدولية، وتنظيف الفوضى داخل حدودها قبل توجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين. وحتى ذلك الحين، ستظل إرتريا يقظة وثابتة ومستعدة للدفاع عن سيادتها التي اكتسبتها بتضحيات جسام، للتصدي لكل التهديدات – بغض النظر عن مدى يأسها أو نفاقها.
ترجمة، يوسف بوليسي